إن اللورد كرومر الذي هو أساس التخطيط للإفساد العلمي والاجتماعي في العالم الإسلامي هو يهودي الأصل، وقد جاء إلى مصر لأهداف مبيتة، وأغراض خفية ظهرت فيما بعد، والذي ذكر يهوديته هو كاتب ومؤرخ بريطاني معروف، فهذا الرجل اليهودي الخبيث جاء ومعه دنلوب -أيضاً- وهو قسيس خبيث آخر، ولا يبعد أن يكون من أصل يهودي أيضاً، وكانا يخططان لهدم هذا الدين.
وجد هذان الرجلان امرأة من أسرة محمد علي -وهذه المرأة لا تزال هي الصنم الذي تقدتي به المجرمات في كل زمان وفي كل بلد من أنحاء العالم الإسلامي، وبالذات العالم الناطق باللغة العربية -وهي الأميرة نازلي، هذه الأميرة نازلي هي حفيدة إبراهيم بن محمد علي باشا، وكلنا يعرف ما صنعه الرجل بأرض الجزيرة، وما الذي فعله ببلاد التوحيد؛ إذ كان هو الذي دمر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه عندما قاد الحملات التركية على جزيرة العرب، وحفيدته الأميرة نازلي أصبحت فيما بعد زوجةً للملك فؤاد وأماً للملك فاروق، فهذه المرأة في آخر أيامها -نسأل الله العفو والعافية- ارتدت عن الإسلام، ودخلت في دين النصرانية هي ومن كان معها.. عياذاً بالله!
هذه المرأة الخبيثة كان اللورد كرومر يجلس في صالونها، وكان يجلس معه بعض المخططين لتنفيذ المخطط والمؤامرة على الإسلام وعلى المرأة المسلمة، وممن كان يرتاد هذا الصالون -كما هو ثابت في جميع المصادر التاريخية- الشيخ محمد عبده، وجمال الدين الأفغاني، وكثير من النصارى الذين كانوا يرأسون مجلة المقتطف وغيرها، وكذلك مرقص فهمي، كل هؤلاء كانوا يجلسون في ذلك الصالون -صالون الأميرة نازلي- ويخططون للقضاء على الحجاب، وإخراج المرأة المسلمة من عفافها إلى التحلل وإلى الإباحية.
ويشاء الله سبحانه وتعالى أن مستشرقاً فرنسياً اسمه داركور ألف كتاباً يتهجم فيه على الإسلام والحجاب، فانبرى له كاتب يدعى قاسم أمين، وكان شاباً نزقاً لا يفقه من الدين شيئاً، فأخذ يرد ويهاجم المستشرق داركور، وشاء الله سبحانه وتعالى أن يتنبه أولئك المتآمرون لخطر هذا الشاب، فقاموا باستدعائه،وبعد ذلك إذا به يعلن تراجعه عما قاله في ذلك المستشرق، وإذا به هو يكتب كتاباً بعنوان: تحرير المرأة، وهو الكتاب الذي يعتبر إنجيل أو نبراس دعاة الاختلاط في كل زمان ومكان.
والعجيب أن كثيراً من فصول هذا الكتاب لو قرأتموها لوجدتم أنه لا يمكن أن يكتبها إلا شخص متضلع في الأحكام الشرعية والفقه والأصول، ولهذا جاء في أكثر من مصدر أن الشيخ محمد عبده هو الذي كتب الكتاب أو كتب بعضه؛ لأن قاسم أمين كان يعمل مترجماً للشيخ في فترة من الفترات في مجلة العروة الوثقى .
والحاصل أن هذا الكتاب قد ظهر من صالون كرومر ونازلي، ماذا كانت دعواه هل كان يدعو إلى الاختلاط؟ هل كان يدعو إلى الرذيلة.. إلى البغاء.. إلى الزنا.. إلى الأفلام الخليعة كلا! بل كان يقول: إن المرأة لا يجب عليها أن تغطي وجهها وكفيها؛ هذا الذي دعا إليه فقط؛ لأن المرأة المسلمة إلى ذلك الوقت كانت متحجبةً الحجاب الكامل، أي: إلى ما قبل ثمانين سنة؛ ففي مصر -وهي أول بلد عربي ترك نساؤه الحجاب، وبدأت فيه هذه الحركة- في ذلك الوقت لم تكن هنالك امرأة مسلمة إلا وهي متحجبة الحجاب الكامل، تغطي وجهها وكفيها وكل جسمها.
والعجيب أن قاسم أمين نفسه كانت زوجته محجبةً الحجاب الكامل، ولم يكن يسمح لأحد أن يراها أو أن يخلو بها؛ لأن المجتمع كان في تلك الفترة لا يزال متمسكاً بالمبادئ الإسلامية.
وهنا يجب أن نقف وقفة! ففي كل المجتمعات المسلمة تبدأ هذه الدعوة بالحديث عن الوجه والكفين فقط، وبالقول بأنه لا حرج على المرأة أن تكشف وجهها وكفيها، ولكنها تنتهي بنوادي العراة، وبالأفلام الجنسية القذرة... وإلى نهايات لا يعلم مداها إلا الله عز وجل، لكن البداية دائماً تكون على هذا النحو، والمؤامرة واحدة في كل مكان وفي كل بلد، وهذا يجب أن يعلم.
وقد كشر قاسم أمين عن أنيابه، وكشف عن حقيقة هدفه بعد ذلك بأعوام، حين ألف كتاب: المرأة الجديدة، ودعا فيه بصراحة ووضوح إلى أنه يجب على المرأة المسلمة أن تقتفي نهج المرأة الأوروبية -أو قال: أختها الغربية- في كل شيء.
وهكذا كشف القناع عن حقيقة المؤامرة، وبعد ذلك -وبتحريض من الإنجليز وبرعاية منهم- ظهرت الحركة النسائية وارتبطت بالحركة التي تسمى الحركة الوطنية.
  1. الحركة الوطنية ودعوى تحرير المرأة

    نقف هنا وقفةً أخرى لنبين أن العملية واحدة، إنما تعاد وتكرر الأسطوانة في كل بلد، ولذلك خرج من يقول: إن المرأة المصرية لابد أن تشارك في طرد الإنجليز والمستعمر، ولابد أن تسهم في خدمة وطنها، وفي بناء بلدها، وفي الخدمة الاجتماعية، حتى لا يبقى نصف المجتمع معطلاً... إلى آخر ما قيل في ذلك الزمن.
    ومن هنا استغل قادة الحركة الوطنية -التي كان الإنجليز ينظمونها ويرعونها، وكان على رأسها حزب الوفد الذي كان يتزعمه سعد زغلول- استغلوا قضية المرأة، وتبنى أولئك ما يسمى بتحرير المرأة، فكانت زوجة سعد صفية قد نسبت نفسها إليه، فسمت نفسها صفية زغلول وتركت اسم أبيها، وتبنى امرأة هي التي تسمى رائدة الحركة النسائية -لأنهم وجدوا أن قاسم أمين رجل، ولابد أن تكون الرائدة امرأة- وهذه المرأة هي هدى شعراوي، فدخلت في حزب الوفد وتبناها سعد زغلول، وأفسح لها المجال، ومعها المدعوة الأخرى سيزا نبراوي، ومن هنا بدأت المؤامرة بأيادٍ نسائية.
    وعندما قامت الثورة المصرية عام (1919م) -الثورة على الإنجليز كما سميت- كانت ثورةً علمانية حيث كان شعارها: (الدين لله والوطن للجميع) إذ خرج الناس قائلين: يجب أن نخرج جميعاً؛ اليهود والنصارى والمسلمون -واليهود في ذلك الوقت خرجوا علناًَ في مصر، للتظاهر ضد الاستعمار- فكان ممن خرج وشارك في هذه المؤامرة هدى شعراوي ضمن لجنة الوفد المركزية للسيدات التابعة لحزب الوفد، فكان الظاهر أن هؤلاء السيدات خرجن في مظاهرة ضد الإنجليز، وكانت أغرب مظاهرة من نوعها في العالم الإسلامي، إذ لم يسبق أن خرجت النساء في مثل هذه المظاهرة، والتي كان الغرض منها -كما يزعمون- إعطاء فصرة للمساهمة في تحرير البلد والمشاركة في التنمية بعد ذلك، وبينما هن في المظاهرة أخذن حجابهن الذي كن يلبسنه ورمينه في الميدان وأحرقنه.
    وكان كثير ممن خرجن من النساء متحجبات، حتى إن بعضهن كن يلتزمن بغطاء الوجه أيضاً؛ لأن مسألة نزع الحجاب لم تكن قد أخذت بعداً واقعياً، بل كان الحجاب هو الأصل، وكانت المرأة التي تنزع عن وجهها الحجاب ينظر إليها على أنها فاجرة ودنيئة ودنسة، ومن أسرة لا أصل لها ولا قيمة لها... إلى آخر ما يقال.
    وحرص سعد زغلول على أن تقام سرادقات ضخمة لاستقباله عند رجوعه من المنفى -كما يسمى- وحين دخل المعسكر، كان النساء متحجبات، فقام بنزع الحجاب عن وجه هدى شعراوي وأمر بقية النساء أن ينزعن الحجاب، فنزعه بعضهن وأخذن يصفقن ويهتفن قائلات: عاش الوطن، وليسقط الإنجليز‍.
    فما علاقة خروج الإنجليز وما علاقة الوطن بهذا التهتك؟! وما علاقة ذلك بالحرية؟! وما علاقة الحركة الوطنية؟! وكيف يقال: إن خدمة الوطن لا تتم إلا بالتبرج والتهتك والتعري، فلو أن امرأة مسلمة قدمت لأمتها خدمة في التعليم -فأمضت العمر كله وهي تعلم- أو في الطب ولكنها محجبة لما ذكرها أحد، ولكن إذا تهتكت وتعرت واشتركت في أفلام، أو في مسابقات فنية، أو في أي شيء مما لا يرضاه الله تعالى، تحدث عنها القاصي والداني واعتبروها رائدة، ورفعت سمعة بلادها، وساهمت في تنمية وطنها... إلى غير ذلك.
    ثم بعد ذلك أذن سعد زغلول لأولئك النسوة أن يشكلن لأول مرة في تاريخ الأمة الإسلامية تنظيماً نسائياً، وتشكل هذا التنظيم النسائي، وستعجبون إذا عرفتم أن المكان الذي انطلق منه هذا التنظيم وخرجت منه المظاهرة هو الكنيسة المرقصية -كنيسة القديس مرقص صاحب الإنجيل- إذ اجتمع هؤلاء النسوة التابعات لحزب الوفد وهن مسلمات في الأغلب- في الكنيسة وخرجن يطالبن بترك الحجاب، وبالتحلل منه.
    وهذه الأحداث تبين في النهاية الغاية الحقيقية لهذه المؤامرة.
  2. إقامة المؤتمرات الدولية النسائية

    انطلق ذلك التنظيم النسائي، وشارك في مؤتمرات دولية، منها المؤتمر النسائي الأول في روما، والمؤتمر النسائي الثاني في أثينا .
    وهنا أيضاً نقف وقفة تعجب: ذلك أن المؤتمرات الدولية لم تصدق أن المرأة المسلمة ستترك الحجاب، ففي المؤتمر الذي عقد في روما جاءت النساء اللاتي يمثلن الوفد المصري وكن سافرات إلا واحدة منهن، جاءت وهي محجبة حجاباً كاملاً، حتى وجهها لا يرى.
    ويلاحظ من ذلك أن هذه المرأة رغم أنها تدعو إلى التحرر وعضوة في الوفد الداعي للتحرر لم تستطع من الحياء أن تنزع الحجاب عن وجهها أمام الأجانب الأوروبيين.
    فعند ذلك قال أعضاء المؤتمر لـهدى شعراوي وسيزا نبراوي: أنتن غير مصريات، ولعل مصر استعارتكن لتمثلنها، وأبوا أن يصدقوا أن امرأةً مسلمة تنزع الحجاب، ثم أشاروا إلى المرأة التي لم تنزع الحجاب وأعطوها الحق في أن تتكلم باسم المرأة المسلمة في مصر .. ولم يصدقوا أن النساء الثلاث كلهن مصريات إلا بعد جهد.
    ومن هنا بدأت اللعبة تدخل إطاراً عالمياً جديداً، وتقول هدى شعراوي : إنها تشرفت بمقابلة موسوليني -الزعيم الفاشي المعروف- ثم بعد ذلك أخذت الصحافة الإنجليزية تشيد إشادةً عظمى بحركة تحرير المرأة وبدورها وبنشأتها وتطورها، وأخذ الكتاب -من أمثال لطفي السيد وطه حسين، وكثير ممن شابههم- يكتبون عن هذه القضية.

  3. إقامة الأحزاب النسوية

    أثناء الحرب العالمية الثانية كانت أمريكا قد برزت وأخذت تتسلم قيادة العالم الغربي، ومن ثم ورثت الاستعمار الغربي بكل ضروبه وأنواعه، وكان رئيسها آنذاك هو روزفلت، ثم خلفه ترومان، وكان أول رئيس تمكن اليهود من السيطرة عليه بشكل واضح جداً هو ترومان.
    وكانت زوجة روزفلت من أعظم المهتمات بما يسمى تحرير المرأة، فقد تبنت هذه الحركة، وأخذت تنفق عليها، وأقامت علاقات مع درية شفيق وأمثالها، ومع حزب بنت النيل، وهو حزب نسائي، وتأسست أحزاب أخرى تسمى الأحزاب النسائية، وكان غرضها المطالبة بحقوق المرأة، حتى طالبوا بمساواتها بالرجل في الميراث، وطالبوا بخلع الحجاب، وطالبوا بالتحلل الكامل من كل أحكام الشريعة الإسلامية.
    وهنا يشاء الله سبحانه وتعالى وهو الذي تكفل وتعهد بنصر دينه ولو كره الكافرون، وبأن يخزي أعداءه في الدنيا والآخرة، وبأن ينصر الذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، أقول: شاء الله أن تحصل خلافات سياسية بين تلك الأحزاب أدت إلى كشف الأوراق على حقيقتها، وإذا بحزب بنت النيل يكشف خيوط المؤامرة على رءوس الملأ وفي الصحف، مبيناً أن السفارتين الإنجليزية والأمريكية هما اللتان تمولان هذا الحزب والأحزاب الأخرى، وأن الذين بنوا لهم مقراً هم من الأثرياء الأمريكان، وبعضهم من اليهود، وأن اللاتي شاركن فيه كن متآمرات متواطئات مع الاستعمار ومع أهدافه وفي خدمته.
    وما أن انكشف ذلك حتى أيقظ الله تعالى من كتبت لها الهداية واليقظة، وأحس الناس بخطر الأمر وارتفعت الأقلام من جديد بالمطالبة بالقضاء على هذه الحركة الخبيثة اللئيمة قبل أن تستشري عدواها.. هذا على المستوى الفكري.
    أما على المستوى العملي: فأنشئت أول دار للسينما، وأنشئت مراكز للترفيه والرقص، وكانت النساء اللاتي يشاركن في هذه المراكز يهوديات وقبطيات، بالإضافة إلى بعض المسلمات اللاتي تعمد إدخالهن، وعد ذلك من تحرر المرأة ومن نهضتها وتقدمها كما يقال.
  4. دعوى تحرير المرأة في عهد عبد الناصر

    ثم بعد ذلك لما قامت الثورة المصرية وتحولت مصر إلى دولة اشتراكية -كما هو حال كثير من دول العالم الإسلامي أنذاك- أخذ الأمر بعداً أعظم من ذلك، وأصبحت المسألة مسألة حرب سافرة على الإسلام والمسلمين، حتى خلت الجامعة من كل محجبة، وفرض على المرأة المسلمة -شاءت أم أبت- أن تكون أوروبية غربيةً بمعنى الكلمة، وكبت صوت الحق وقد كان يقاوم هذه الصرخات والدعوات.
    ولا يخفى على المتتبع ما حصل بعد ذلك من هزيمة منكرة حلت بأولئك المجرمين في عام (1967م) وما نتج عنها من عودة إلى الدين في صفوف الشباب، وعودة الحجاب من جديد إلى الجامعة، حتى صارت -هذه المرة- الدعوة إلى الحجاب دعوةً إسلاميةً سلفية، تدعو إلى التمسك بالحجاب؛ لأنه من عند الله، لا لمجرد أنه من العادات.
    وهنا تعالى الصراخ وما يزال إلى اليوم يتعالى، وتحدث الدكتور زكي نجيب محمود قائلاً: ما هذه الردة -سماها ردة -‍التي وقعت فيها المرأة في مصر؟! بعد أن تحررت وانطلقت ترتد الآن للحجاب؟!
    وكتبت أمينة السعيد عدة كتابات بهذا الخصوص، وما تزال الصحف ووسائل الأعلام التي يملكها هؤلاء تكتب عن هذه الظاهرة إلى الآن.
    والعجيب أن يقع في فخاخ أولئك أيضاً دعاة وكتاب ومفكرون يقولون: كيف تتحجب المرأة؟! كيف تغطي وجهها؟! كيف ترجع إلى ما كانت عليه من عادات فارسية وتركية ليست من الدين في شيء؟!
    واتسع نطاق المؤامرة، ولا يهمنا من هذا العرض التاريخي إلا أن ندرك -من خلال تسلسل هذه المشاهد والفصول- المخطط العام لهذه القضية المهمة.